Search
Close this search box.
Hôtel_de_ville_de_Tunis,_partie_centrale_de_la_façade

إدارة محلية متعطلة في تونس: سوء تقدير وهيمنة مركزية للرئيس سعيد

شارك هذا المقال

إدارة محلية متعطلة في تونس

منذ استبدال المجالس البلدية المنتخبة بمسؤولين إداريين في البلديات في مارس 2023، تدهورت الأوضاع في المدن والمناطق الحضرية بما في ذلك تونس العاصمة، ويُرجع  الرئيس هذا التدهور إلى الفساد بشكل أساسي.

زيارات مفاجئة وانتقادات

قام الرئيس التونسي قيس سعيد في الأيام الأخيرة بسلسلة من الزيارات المفاجئة، التي استغلها لانتقاد تقصير الخدمات البلدية ولإلقاء اللوم على الفساد في فشل إدارة الجماعات المحلية للبلاد. أسفرت هذه الزيارات عن سلسلة من عمليات الإقالة في منطقة تونس الكبرى، لكن المشاكل لم تُحل بعد ويبدو أنه لا يمكن حلها في أمد قصير، فهي مختلفة ومتشعبة، منها الهيكلي ومنها الإداري والتشريعي الى جانب افتقار المؤسسات المحلية والبلدية للميزانيات والمعدات اللازمة للقيام بالإصلاحات الضرورية.

تحديات حضرية معقدة

يتساءل الكثيرون عن طبيعة هذه المشاكل بالتحديد. يشير أحد المعماريين إلى أن تونس قد أصبحت متروبول، بعيدًا عن العاصمة المتطورة في السبعينات. ويضيف أن المدينة أصبحت غير قابلة للسكن، وكأن توسعها المعماري كان غير متوقع للمسؤولين ! وبالنسبة لمشاكل الطرقات والازدحام المروري فقد تضاعف عدد السيارات ثلاثة مرات في شوارع ذات سعة محدودة، الى جانب تشييد أحياء جديدة ملاصقة للطرقات مع مدخلين أو ثلاثة، مما يزيد من تعقيد تنظيم الطرقات  والصرف الصحي وجمع النفايات المنزلية.

نقص في وسائل النقل

تفتقر أغلب أحياء العاصمة مثلا لوسائل النقل العام، مما يصعب الحركة في المدينة التي تعتمد على السيارات. وتتفاقم المشكلة بسبب معاناة السكان في الحصول على الخدمات البلدية الأساسية، وتتكرر هذه المشاكل في بقية المناطق الحضرية ومراكز المدن.

معوقات إدارية

منذ الانقلاب الدستوري في 25 جويلية/ يوليو يواجه الموظفون والاداريون صعوبة في اتخاذ القرارات بسبب الخوف من الاستدعاء القضائي، مما يؤدي إلى تقاعس الإدارات عن تحمل المسؤوليات خصوصا أمام نقص الموارد. هذا الوضع أشار اليه الرئيس سعيد أثناء زيارته لإدارة المعدات في بلدية تونس، رغم أنه المتسبب المحوري في ظهور هذا الاشكال. فطريقة معالجته للمشاكل الإدارية عبر استدعاء مسؤول محدد وإهانته وعدم ترك الفرصة للتوضيح والاجابة، واعتماد سياسة القنص العشوائي عبر استهداف مؤسسة أو إدارة دون تقديم أدلة كافية (وهي مهمة قضائية ورقابية خالصة) جعل من الهيكل الإداري البيوقراطي بطبعه في تونس مُعطّلًا بصفة كلية.

مشاكل النفايات والبنية التحتية

تواجه البلديات حاليا تحديات بسبب حلّ المجالس البلدية من قبل الرئيس وغياب المسؤولين المنتخبين شعبيا، وأغلب البلديات حاليا لم تعد قادرة على إنشاء نقاط لجمع النفايات، كما أن الشاحنات لا تستطيع المرور في كل الشوارع. إضافة لمواصلة الباعثين العقاريين قيامهم بمخالفات يومية على غرار إلقاء نفايات البناء في الأراضي الفارغة دون تتبع أو رقابة.

وتستمر الانتهاكات البيئية بسبب عدم وجود عقوبات او أجهزة نشطة. ويُرجع السكان أغلب المشاكل الحضرية إلى غياب التماسك والتنسيق الإداري، خاصة في ظل غياب المجالس البلدية وممثلي السلطة المركزية في الجهات (الولاة) –تم عزل 9 ولاة من أصل 24 ولاية- بما في ذلك تونس العاصمة او شيخ المدينة.

تحديات استثنائية

يشترك معظم سكان تونس وصفاقس في الإحباط والغضب بسبب عدم توفير الخدمات الأساسية، بالإضافة إلى التركيز غير المناسب على الزينة النباتية في سياق نقص المياه والحر الشديد والإنارة.

إعادة هيكلة النظام

منذ سقوط نظام بن علي في 2011، كانت الإدارة المحلية محورًا لمشاريع سياسية متعددة، لكنها اختلفت في الحلول المقترحة. بعد 13 عامًا، ما زالت البلديات تعاني من الجمود وأصبحت المدن غير قادرة على حلّ مشاكل جمع النفايات وصيانة الطرقات. سُمح ببعض الاستقلالية للبلديات بعد الانتخابات البلدية في 2018 وربما كانت ستؤتي ثمارها الأولى بعد استكمال عهدتها (2022) فقد حققت بعض الإنجازات وواجهت صعوبات أخرى مثل عدم المصادقة على مجلة الجماعات المحلية وعدم قيام الحكومة والبرلمان بالمصادقة على كثير من القوانين، لكن هذا النظام لم يستمر بسبب إعادة الهيكلة التي قادها الرئيس سعيد.

وقد نص دستور 2014 في الباب السابع (قام سعيّد بإلغاءه) على ضرورة منح مساحة واستقلالية هامة للبلديات اعتمادا على مبدأ التدبير الحر وهو الامر الذي يرفضه سعيد بتاتا ويشبهه بالتدبير الانفصالي رغم نجاح هذه النماذج في أوروبا وبعض المناطق في أمريكا.

التحديات القانونية والإدارية

مع اعتماد الدستور الجديد في أوت/ أغسطس 2022، تم تحويل جميع السلطات إلى “وظائف” باستثناء سلطة الرئيس، وتم إنشاء مجلس وطني للأقاليم والجهات. لكن هذا المجلس لم يبدأ بعد في العمل ولم يُعرف بعد ما هي صلاحياته وأفق تنسيقه مع مجلس النواب، ويبدو ان الرئيس سعيد نفسه، لا يعرف تماما كيفية تنزيل الأفكار التي استجلبها من النموذج الليبي (المشابه للجان الشعبية)، مما يطرح تساؤلات حول كيفية سد الفجوة اليومية في إدارة البلديات في ظلّ رؤية سياسية مركزية تسعى لجمع كل السلطات بيد الرئيس وحده.

إشترك في النشرة البريدية

لا تضيع أي أخبار هامة, إشترك في خدمة النشرة البريدية