لا شيء يبدو قادرًا على منع فترة ثانية للرئيس التونسي السلطوي، الذي لا يزال يشحن ويدغدغ عواطف الشعب التونسي بخطابه الشعبوي، رغم أداءه المتباين وحصيلة حكمه الكارثية منذ وصوله إلى السلطة في 2019. المرشحون المحتملون للانتخابات المقررة في 6 أكتوبر معظمهم في السجن، في المنفى، أو تحت طائلة إجراءات قضائية.
بداية شهر جويلية/ يوليو الحالي وقع الرئيس التونسي قيس سعيّد أخيرًا، على مرسوم دعوة الناخبين للانتخابات الرئاسية التي ستُجرى في 6 أكتوبر المقبل. لكن على بعد ثلاثة أشهر فقط من هذه الانتخابات، لا يبشر المناخ السياسي وحالة الحريات بحملة انتخابية حرة وشفافة. حتى الآن، الأغلبية العظمى من المرشحين المحتملين لهذه الانتخابات ملاحقون من قبل النظام بسبب اتهامات متنوعة او زائفة.
منذ انتخابه في 2019 لفترة خمس سنوات، استحوذ قيس سعيّد على السلطة الكاملة في 25 جويلية/ يوليو 2021، ثم حل البرلمان المنتخب ديمقراطيًا وفرض دستورًا جديدًا، في وقت كان يواجه فيه الاقتصاد التونسي أزمة مالية كبيرة. هذا الأسبوع، شهد مرشحان آخران للانتخابات الرئاسية تتبعات قضائية. فقد تم إلقاء القبض على لطفي المرايحي، رئيس حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري، والحكم عليه بالسجن ثمانية أشهر ومنعه من الترشح للانتخابات مدى الحياة (وهو حكم قضائي غير مسبوق). أما عبد اللطيف المكي، وزير الصحة السابق الذي عبر عن نيته الترشح قبل بضعة أيام، فقد تم استدعاؤه يوم الثلاثاء للمثول امام المحكمة واتخاذ جملة من التدابير القضائية في حقه تتمثل في تحجير السفر وتحديد مكان إقامته ومنعه من الظهور الإعلامي.
300 سجين سياسي
حاليا أعلنت تسعة شخصيات بارزة من المعارضة بالفعل عن ترشحها، من بينهم زعيمان حزبيان، غازي الشواشي وعبير موسى، وهما مسجونان بتهم متنوعة، من بينها “التآمر ضد أمن الدولة”. تُضاف إلى هذه القائمة مرشحون آخرون مثل منذر الزنايدي، وزير الصحة السابق، ونزار الشعري، رئيس حزب قرطاج الجديدة، الذين تم استدعاؤهم من قبل القضاء للتحقيق في شبهات فساد مالي.
في المقابل يتواجد في السجون أكثر من 300 سجين سياسي في تونس من بينهم زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي (83 سنة) كما أن المناخ الحالي لا يضمن “انتخابات حرة” في ظل شكوك تحوم حول استقلالية الهيئة المكلفة بتنظيم الانتخابات. وفقًا للدستور الجديد الذي وضعه الرئيس التونسي، تستعد الهيئة لتغيير قواعد اللعبة، بما في ذلك رفع السن القانوني للترشح من 35 إلى 40 عامًا، ومنع مزدوجي الجنسية من الترشح للانتخابات، وفرض أن يتمتع كل مرشح بحقوقه المدنية والسياسية والاستظهار ببطاقة عدد 3 وهي بطاقة تحتوي على السوابق العدلية.
قد تقاطع المعارضة الانتخابات
تجزم القوى المعارضة لقيس سعيد “أن الرئيس إذا قبل بإجراء انتخابات فإنه متأكد من الفوز بها” لذلك من الممكن مقاطعتها، فهو يستغل أجهزة الدولة بدءا من الصفحة الرسمية للرئاسة التي تضم أكثر من 2.5 مليون متابع وتتمتع بنسبة تفاعل عالية جدا نظرا لاعتماد الرئيس عليها منذ توليه السلطة لنشر خطاباته ونظرياته ومخاطبة الجمهور العريض مقابل تجاهل وسائل الاعلام التقليدية، كما انه يستغل اجهزة القضاء والأمن للضغط على المترشحين، واثناء تقديم ترشحه الرسمي وجه تهديدا مبطنا لكل من يستعد لتزكية المترشحين.
يبدو ان تونس تعيش فصلا جديدت من الانحراف نحو الديكتاتورية والاستبداد، فالرئيس قيس سعيّد لم يعد يعكس إرادة شعبية، لكنه لا يهتم بذلك، لأنه يعتبر نفسه فوق النقد والوحيد الذي يملك الدولة ويمثلها، كما يعتبر أنه مكلف بمهمة إلاهية لانقاذ البلاد مع رفع شعار “التحرر الوطني” وهي سردية نجح في بناءها الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة.