تبدو الخطابات الرسمية لرموز النظام التونسي الحالي شديدة اللهجة وغاضبة ضد ما يسميه الرئيس قيس سعيد “الخارج” وهو مصطلح يستخدمه عندما يتحدث عن المعارضين وعن خصومه السياسيين، ويصفهم بالعملاء والخونة وأحيانا ينعتهم “بالمرتمين في أحضان الخارج”.
هذه النبرة والرسائل ساهمت في دغدغة مشاعر التونسيين اللذين يحملون داخلهم مشاعر غير ودية تُجاه المستعمر القديم “فرنسا” والولايات المتحدة الامريكية التي تساعد كيان الاحتلال باستمرار منذ عقود في حربه على غزة وابادة الفلسطينيين.
بتلقائية مُفرطة ودون طرح تساؤلات، ينساق الشعب التونسي في اغلبه وراء خطاب التخوين ورفض التدخل الاجنبي او الوصاية الاجنبية وخصوصا الفرنسية، ولم يترك الرئيس المجال مُغلقا أمام العلاقات الدولية والشراكة مع البلدان الغربية وانما وضعها في مربع يحق له التحرك فيه بنفسه، ولوحده فقط: معاملة الند للنّد والشراكة الأفقية وهما عبارتان يحفظهما وزير خارجيته نبيل عمار عن ظهر قلب.
اذا ما يريد الرئيس سعيد ارساله لعامة الشعب أنه لا يحق لاي طرف او جهة او حزب سياسي ان “يتعامل” او يلتقي مع طرف أجنبي عداه هو ونظامه باعتباره يمثل “ارادة الشعب” او باعتباره الوطني الوحيد في البلاد وكأنه خالدٌ لا يموت ولا يُستبدل.
ويعيش النظام التونسي حاليا أسوأ فتراته مع فرنسا بسبب تمردّ سعيّد “مؤقتا” على نصائح او توجيهات قصر الإيليزيه ومخالفة “النهج الفرنسي” في معالجة الازمة السياسية التي تعيشها، وقد طرحت فرنسا سابقا حلّا يتمثل في ضرورة تنظيم حوار وطني واطلاق المساجين السياسيين وتطعيم الحكومة ببعض قوى المعارضة المحسوبة على التيارات التقدمية وتخفيف ملاحقة نشطاء المجتمع المدني.
بل وقام سعيّد مؤخرا باستهداف واعتقال شخصيات تونسية معروفة بارتباطها بنواب او مؤثرين فرنسيين وقامت عناصر الشرطة بالاعتداء على الطاقم الصحفي التابع لقناة فرانس 24 أثناء اعتقال المحامية سنية الدهماني بدار المحامي، كرسالة واضحة لرفض “الحلول” الفرنسية.
رغم الجفاء السياسي المؤقت، تونس تسعى لجذب المزيد من المستثمرين الفرنسيين:
ولكن من جانب آخر، لا يتوقف وزير الخارجية نبيل عمار عن التواصل مع الجهات الفرنسية طلبا للمساعدة او المشورة، كما ان وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة، فاطمة ثابت شيبوب، قالت خلال كلمتها على هامش أعمال النسخة الثالثة من منتدى التعاون الصناعي التونسي الفرنسي (الخميس 6 جوان 2024)، أن المنتدى سيسرع التعاون الصناعي الثنائي، مشيرة إلى أن فرنسا تعتبر شريكًا استراتيجيًا في عدة مجالات مثل صناعة النسيج والسيارات والطيران.
وشددت شبشوب على أهمية جذب الاستثمارات الفرنسية إلى تونس، مؤكدة التزام الحكومة بتكثيف فرص الاستثمار وتوفير كل التسهيلات اللازمة لتحسين مناخ الأعمال، مما سيدعم الاقتصاد التونسي ويسهل وصول الشركات الأجنبية إلى السوق المشتركة للكوميسا والاستفادة من المزايا المتميزة لاتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (زليكاف) التي صادقت عليها تونس أيضًا.
كما قدمت توجهات الاستراتيجية الوطنية الصناعية حتى عام 2035، التي تهدف بشكل أساسي إلى تعزيز الاستثمار في مختلف القطاعات الصناعية الواعدة وتعزيز تنافسية الشركات، مع الالتزام بنظام بيئي يهدف إلى تقليل انبعاثات الكربون.
فرنسا: عين تبصر وعين لا تبصر
رغم عدم رضاها التام عما يقوم به سعيّد من خروقات وتجاوزات تستهدف شخصيات فاعلة ومعروفة في تونس، الا انها لا ترفض تماما فكرة التعاون مع نظامه، وذلك بفضل نصائح رئيسة الحكومة الايطالية جورجيا ميلوني التي تنصح ماكرون باستمرار بضرورة دعم “سعيّد” الذي يساعد أوروبا في التضييق على المهاجرين والعابرين من بلده كما انه متعاون جدا فيما يخص تفعيل “خطة ماتي” الايطالية.