كان من المتوقع أن يحضر الرئيس التونسي القمة الأخيرة لمجموعة السبع التي نظمتها رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، والتي تربطه بها علاقات ممتازة، لكنه فضل إرسال رئيس حكومته. وهي إشارة إضافية على عدم الثقة المتزايدة من تونس تجاه الدول الغربية.
استغلت جورجيا ميلوني زيارتها السريعة إلى تونس في 17 أبريل الماضي لتسليم دعوة شخصية للرئيس التونسي لحضور قمة مجموعة السبع التي عقدت من 13 إلى 15 يونيو في بورغو إجناثيا، في منطقة بوليا بجنوب إيطاليا. كانت هذه االدعوة الشخصية بمثابة ضمان لحضور قيس سعيد، ومع ذلك، لم يكن ذلك كافياً، مما أثار دهشة السفير الإيطالي في تونس أليساندرو بروناس. في اللحظة الأخيرة، تخلّف الرئيس وأرسل بدلاً منه رئيس الحكومة أحمد الحشاني.
مجموعة السبع الموسعة G7
كان من المفترض أن يُستقبل رئيس الدولة، كغيره من الزعماء، في أفضل الظروف ويستغل الفرصة للمشاركة في لقاءات رفيعة المستوى مع نظرائه الأفارقة، بمن فيهم الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني – الذي يرأس أيضًا الاتحاد الإفريقي –، والملك عبد الله الثاني ملك الأردن، والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
كما كانت هناك لقاءات مقررة مع الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، وأيضًا رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني. أرادت ميلوني من خلال توسيع دائرة المدعوين تعزيز الحوار مع الدول الجنوبية انطلاقاً من مبدأ أن “مجموعة السبع ليست قلعة مغلقة بل عرض للقيم ينفتح على العالم بأسره”.
في غياب قيس سعيد، قام الحشاني الذي يرأس الحكومة التونسية “شكليا” منذ صيف 2023، ووزير الخارجية نبيل عمار بلقاء المسؤولين الأجانب. وشمل البرنامج لقاءات سريعة مع إيمانويل ماكرون، والبابا فرنسيس، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، وملك الأردن، والمديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا.
ركزت المشاركة التونسية على كلمة رئيس الوزراء في الجلسات المخصصة لافريقيا والشرق الأوسط، وكذلك الذكاء الاصطناعي. أشار الحشاني إلى أن الظروف الحالية – السياسية والاقتصادية والأمنية – تدعو إلى مزيد من التعاون للاستفادة من الإمكانيات غير المستغلة في المنطقة. وأكد دعمه لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس، مندداً بالصمت تجاه الإبادة الجماعية. كما أعرب عن أمله في مواجهة التحديات المشتركة، خاصة فيما يتعلق بالانتقال الطاقي والمناخي والأمني، ودعا إلى “تجاوز منطق الربحية قصيرة المدى واعتماد نظام مالي جديد أكثر عدلاً ومسؤولية”.
عناصر الخطاب التي لم تمر مرور الكرام
رغم أن كلمته لم تلفت انتباه وسائل الإعلام كثيرًا، فإنها أظهرت مرة أخرى مدى ابتعاد تونس عن الغرب. تمامًا كما حدث في خطاب الرئيس قيس سعيد في روما خلال قمة الهجرة في يوليو 2023، ومرة أخرى في يناير 2024 بمناسبة إطلاق خطة ماتي من قبل جورجيا ميلوني. في الوقت الذي كانت فيه ميلوني ترغب في تعزيز الشراكة الاستراتيجية والشاملة بين الاتحاد الأوروبي وتونس، لا يبدو أن الرئيس التونسي يرغب في الانسياق إلى هذا المسار، ولا يبدو أنه يُخدع بالخطاب واللغة التي تستخدمها جورجيا ميلوني وجيرانها.
منذ أشهر، وفي مواجهة دول غربية تنتقد توجهاته السلطوية والانتهاكات المتعددة للحريات في تونس، يشن قيس سعيد هجومًا مضادًا بانتظام، متهما القوى الأجنبية بمحاولة زعزعة استقرار تونس بتدخلها في شؤون البلاد باسم مبادئ ديمقراطية يرى أنها أثبتت فشلها. وقام سابقا باستدعاء سفراء الولايات المتحدة وفرنسا والاتحاد الأوروبي في نهاية مايو من قبل وزارة الخارجية لهذا السبب.
التقارب مع بكين وطهران:
الرسالة واضحة: بالنسبة لقيس سعيد، لا مجال لقبول الوعظ الأخلاقي. إنه يجد سهولة أكبر في التحرر من إملاءات الغرب، حيث يتجه نحو شركاء آخرين. لقد تأثر بشكل إيجابي جدًا بالاستقبال الذي حظي به في الصين خلال زيارته الرسمية في بداية يونيو.
كما تعززت مواقفه بالاهتمام والاحترام الذي لقيه في طهران، حيث توجه في نهاية مايو لتقديم تعازي تونس في وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي. زيارة أثمرت بالفعل، إذ لم يعد الإيرانيون مضطرين لتقديم تأشيرة لدخول تونس. يرى بعض المراقبين أن طهران قد تحل محل مصر كداعم رئيسي وصديق مخلص، خاصة في ظل الهجوم الذي شنه قيس سعيد على السلطة في 25 يوليو 2021.